فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

الطلاق هو حَلّ العِصمة المنعقدةِ بين الأزواج بألفاظ مخصوصة. والطلاق مباح بهذه الآية وبغيرها، وبقوله عليه السلام في حديث ابن عمر: «فإن شاء أمسك وإن شاء طلق» وقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها؛ خرّجه ابن ماجه. وأجمع العلماء على أن من طلق امرأته طاهرًا في طهر لم يمسها فيه أنه مطلِّق للسنّة، وللعدّة التي أمر الله تعالى بها، وأن له الرّجعة إذا كانت مدخولًا بها قبل أن تنقضي عدّتها؛ فإذا انقضت فهو خاطب من الخُطّاب. فدل الكتاب والسنة وإجماع الأمّة على أن الطلاق مباح غير محظور. قال ابن المنذر: وليس في المنع منه خبر يثبت.
روى الدارقطنِيّ حدّثني أبو العباس محمد بن موسى بن عليّ الدُّولابِيّ ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدّثنا الحسن بن عرفة حدّثنا إسماعيل بن عياش بن حميد بن مالك اللخميّ عن مكحول عن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ ما خلق الله شيئًا على وجه الأرض أحب إليه من العِتاق ولا خلق الله تعالى شيئًا على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له وإذا قال الرجل لامرأته أنتِ طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه» حدّثنا محمد بن موسى بن عليّ حدّثنا حميد بن الربيع حدّثنا يزيد بن هارون أنبأنا إسماعيل بن عياش بإسناده نحوه. قال حميد قال لي يزيد بن هارون: وأيّ حديث لو كان حميد بن مالك اللخميّ معروفا! قلت: هو جدِّي! قال يزيد: سررتني، الآن صار حديثًا!. اهـ.

.قال الفخر:

اختلف المفسرون في أن هذا الكلام حكم مبتدأ وهو متعلق بما قبله، قال قوم: إنه حكم مبتدأ، ومعناه أن التطليق الشرعي يجب أن يكون تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة، وهذا التفسير هو قول من قال: الجمع بين الثلاث حرام، وزعم أبو زيد الدبوسي في الأسرار: أن هذا هو قول عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعمران بن الحصين، وأبي موسى الأشعري، وأبي الدرداء وحذيفة.
والقول الأول: في تفسير الآية أن هذا ليس ابتداء كلام بل هو متعلق بما قبله، والمعنى أن الطلاق الرجعي مرتان، ولا رجعة بعد الثلاث، وهذا التفسير هو قول من جوز الجمع بين الثلاث، وهو مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه.
حجة القائلين بالقول الأول: أن لفظ الطلاق يفيد الاستغراق، لأن الألف واللام إذا لم يكونا للمعهود أفادا الاستغراق، فصار تقدير الآية: كل الطلاق مرتان، ومرة ثالثة، ولو قال هكذا لأفاد أن الطلاق المشروع متفرق، لأن المرات لا تكون إلا بعد تفرق بالإجماع.
فإن قيل: هذه الآية وردت لبيان الطلاق المسنون، وعندي الجمع مباح لا مسنون.
قلنا: ليس في الآية بيان صفة السنة، بل كان تفسير الأصل الطلاق، ثم قال هذا الكلام وإن كان لفظه لفظ الخبر، إلا أن معناه هو الأمر، أي طلقوا مرتين يعني دفعتين، وإنما وقع العدول عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر لما ذكرنا فيما تقدم أن التعبير عن الأمر بلفظ الخبر يفيد تأكيد معنى الأمر، فثبت أن هذه الآية دالة على الأمر بتفريق الطلقات، وعلى التشديد في ذلك الأمر والمبالغة فيه، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا على قولين الأول: وهو اختيار كثير من علماء الدين، أنه لو طلقها اثنين أو ثلاثًا لا يقع إلا الواحدة، وهذا القول هو الأقيس، لأن النهي يدل على اشتمال المنهي عنه على مفسدة راجحة، والقول بالوقوع سعى في إدخال تلك المفسدة في الوجود وأنه غير جائز، فوجب أن يحكم بعدم الوقوع.
والقول الثاني: وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه: أنه وإن كان محرمًا إلا أنه يقع، وهذا منه بناء على أن النهي لا يدل على الفساد.
القول الثالث: في تفسير هذه الآية أن نقول: أنها ليست كلامًا مبتدأ، بل هي متعلقة بما قبلها، وذلك لأنه تعالى بين في الآية الأولى أن حق المراجعة ثابت للزوج ولم يذكر أن ذلك الحق ثابت دائمًا أو إلى غاية معينة، فكان ذلك كالمجمل المفتقر إلى المبين، أو كالعام المفتقر إلى المخصص فبين في هذه الآية أن ذلك الطلاق الذي ثبت فيه للزوج حق الرجعة، هو أن يوجد طلقتان فقط وأما بعد الطلقتين فلا يثبت ألبتة حق الرجعة بالألف واللام في قوله: الطلاق للمعهود السابق، يعني ذلك الطلاق الذي حكمنا فيه بثبوت الرجعة هو أن يوجد مرتين، فهذا تفسير حسن مطابق لنظم الآية والذي يدل على أن هذا التفسير أولى لوجوه الأول: أن قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ} [البقرة: 228] إن كان لكل الأحوال فهو مفتقر إلى المخصص، وإن لم يكن عامًا فهو مجمل، لأنه ليس فيه بيان الشرط الذي عنده يثبت حق الرجعة، فيكون مفتقرًا إلى البيان، فإذا جعلنا الآية الثانية متعلقة بما قبلها كان المخصص حاصلًا مع العام المخصوص، أو كان البيان حاصلًا مع المجمل، وذلك أولى من أن لا يكون كذلك، لأن تأخير البيان عن وقت الخطاب وإن كان جائزًا إلا أن الأرجح أن لا يتأخر.
الحجة الثانية: إذا جعلنا هذا الكلام مبتدأ، كان قوله: {الطلاق مَرَّتَانِ} يقتضي حصر كل الطلاق في المرتين وهو باطل بالإجماع، لا يقال: إنه تعالى ذكر الطلقة الثالثة، وهو قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} فصار تقدير الآية: الطلاق مرتان ومرة، لأنا نقول: إن قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} متعلق بقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} لا بقوله: {الطلاق مَرَّتَانِ} ولأن لفظ التسريح بالإحسان لا إشعار فيه بالطلاق، ولأنا لو جعلنا التسريح هو الطلقة الثالثة، لكان قوله فإن طلقها طلقة رابعة وإنه غير جائز.
الحجة الثالثة: ما روينا في سبب نزول هذه الآية، إنها إنما نزلت بسبب امرأة شكت إلى عائشة رضي الله عنها أن زوجها يطلقها ويراجعها كثيرًا بسبب المضارة، وقد أجمعوا على أن سبب نزول الآية لا يجوز أن يكون خارجًا عن عموم الآية، فكان تنزيل هذه الآية على هذا المعنى أولى من تنزيلها على حكم آخر أجنبي عنه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

التعريف في قوله: {الطلاق} تعريف الجنس على ما هو المتبادر في تعريف المصادر وفي مساق التشريع، فإن التشريع يقصد بيان الحقائق الشرعية، نحو قوله: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275] وقوله: {وإن عزموا الطلاق} [البقرة: 227] وهذا التعريف هو الذي أشار صاحب الكشاف إلى اختياره، فالمقصود هنا الطلاق الرجعي الذي سبق الكلام عليه آنفًا في قوله: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} [البقرة: 228] فإنه الطلاق الأصلي، وليس في أصل الشريعة طلاق بائن غير قابل للمراجعة لذاته، إلاّ الطلقة الواقعة ثالثة، بعد سبق طلقتين قبلها فإنها مبينة بعدُ وأما ما عداها من الطلاق البائن الثابت بالسنة، فبينونته لحق عارض كحق الزوجة فيما تعطيه من مالها في الخلع، ومثل الحق الشرعي في تطليق اللعان، لمظنة انتفاء حسن المعاشرة بعد أن تَلاعنا، ومثل حق المرأة في حكم الحاكم لها بالطلاق للإضرار بها، وحُذف وصف الطلاق، لأن السياق دال عليه، فصار التقدير: الطلاق الرجعي مرتان.
وقد أخبر عن الطلاق بأنه مرتان، فعلم أن التقدير: حق الزوج في إيقاع التطليق الرجعي مرتان، فأما الطلقة الثالثة فليست برجعيّة.
وقد دل على هذا قوله تعالى بعد ذِكر المرتين: {فإمساك بمعروف} وقوله بعدهُ: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230] الآية وقد روي مثل هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم روي أبو بكر بن أبي شيبة: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت قول الله تعالى: {الطلاق مرتان} فأين الثالثة فقال رسول الله عليه السلام: «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» وسؤال الرجل عن الثالثة، يقتضي أن نهاية الثلاث كانت حكمًا معروفًا إِما من السنة وإِما من بقية الآية، وإنما سأل عن وجه قوله: {مرتان} ولما كان المراد بيان حكم جنس الطلاق، باعتبار حصوله من فاعله، وهو إنما يحصل من الأزواج كان لفظ الطلاق آيلًا إلى معنى التطليق، كما يؤول السلام إلى معنى التسليم.
وقوله: {مرتان}، تثنية مرة، والمرة في كلامهم الفعلة الواحدة من موصوفها أو مضافها، فهي لا تقع إلا جارية على حدث، بوصف ونحوه، أو بإضافة ونحوها، وتقع مفردة، ومثناة، ومجموعة، فتدل على عدم تكرر الفعل، أو تكرر فعله تكررًا واحدًا، أو تكرره تكررًا متعددًا، قال تعالى: {سنعذبهم مرتين} [التوبة: 101] وتقول العرب نهيتك غير مرة فلم تنته أي مرارًا، وليس لفظ المرة بمعنى الواحدة من الأشياء الأعيان، ألا ترى أنك تقول: أعطيتك درهمًا مرتين، إذا أعطيته درهمًا ثم درهما، فلا يفهم أنك أعطيته درهمين مقترنين، بخلاف قولك أعطيتك درهمين.
فقوله تعالى: {الطلاق مرتان} يفيد أن الطلاق الرجعي شرع فيه حق التكرير إلى حد مرتين، مرة عقب مرة أخرى لا غير، فلا يتوهم منه في فهم أهل اللسان أن المراد: الطلاق لا يقع إلا طلقتين مقترنتين لا أكثر ولا أقل، ومن توهم ذلك فاحتاج إلى تأويل لدفعه فقد أبعد عن مجاري الاستعمال العربي، ولقد أكثر جماعة من متعاطي التفسير الاحتمالات في هذه الآية والتفريع عليها، مدفوعين بأفهام مولدة، ثم طبقوها على طرائق جدلية في الاحتجاج لاختلاف المذاهب في إثبات الطلاق البدعي أو نفيه، وهم في إرخائهم طِوَل القول ناكبون عن معاني الاستعمال، ومن المحققين من لم يفته المعنى ولم تف به عبارته كما وقع في الكشاف.
ويجوز أن يكون تعريف الطلاق تعريف العهد، والمعهود هو ما يستفاد من قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن إلى قوله وبعولتهن أحق بردهن} [البقرة: 228] فيكون كالعهد في تعريف الذَّكَر في قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} [آل عمران: 36] فإنه معهود مما استفيد من قوله: {إني نذرت لك ما في بطني} [آل عمران: 35].
وقوله: {فإمساك بمعروفٍ} جملة مفرعة على جملة: {الطلاق مرتان} فيكون الفاء للتعقيب في مجرد الذكر، لا في وجود الحكم. اهـ.

.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْخَبَرَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِمَّا هُوَ فِي صِيغَةِ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ وَلَيْسَ بِخَبَرٍ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَوُجِدَ مُخْبَرُهُ عَلَى مَا أُخْبِرَ بِهِ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَ اللَّهِ لَا تَنْفَكُّ مِنْ وُجُودِ مُخْبَرَاتهَا؛ فَلَمَّا وَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ يُطَلِّقُونَ الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثَ مَعًا، وَلَوْ كَانَ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} اسْمًا لِلْخَبَرِ لَاسْتَوْعَبَ جَمِيعَ مَا تَحْتَهُ، ثُمَّ وَجَدْنَا فِي النَّاسِ مَنْ يُطَلِّقُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْخَبَرَ وَأَنَّهُ تَضَمَّنَ أَحَدَ مَعْنَيَيْنِ: إمَّا الْأَمْرُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ مَتَى أَرَدْنَا الْإِيقَاعَ، أَوْ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَسْنُونِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ مِنْهُ.
وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرِ؛ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ طَلِّقُوا مَرَّتَيْنِ مَتَى أَرَدْتُمْ الطَّلَاقَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى النَّدْبِ بِدَلَالَةٍ، وَيَكُونُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى وَالتَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَمَسْكُنٌ وَخُشُوعٌ» فَهَذِهِ صِيغَةُ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ.
وَعَلَى أَنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الْمَسْنُونِ مِنْ الطَّلَاقِ كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَائِمَةً عَلَى حَظْرِ جَمْعِ الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} مُنْتَظِمٌ لِجَمِيعِ الطَّلَاقِ الْمَسْنُونِ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ مَسْنُونِ الطَّلَاقِ إلَّا وَقَدْ انْطَوَى تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ، فَإِذَا مَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ جَمَعَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ فَهُوَ مُطَلِّقٌ لِغَيْرِ السُّنَّةِ.
فَانْتَظَمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الدَّلَالَةَ عَلَى مَعَانٍ: مِنْهَا أَنَّ مَسْنُونَ الطَّلَاقِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَعْدَادِ الثَّلَاثِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا.
وَمِنْهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ اثْنَتَيْنِ فِي مَرَّتَيْنِ.
وَمِنْهَا أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ تَثْبُتُ مَعَهُ الرَّجْعَةُ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ فِي الْحَيْضِ وَقَعَتَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بِوُقُوعِهِمَا.
وَمِنْهَا أَنَّهُ نَسَخَ هَذِهِ الْآيَةَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطَلِّقُونَ مَا شَاءُوا مِنْ الْعَدَدِ ثُمَّ يُرَاجِعُونَ، فَقُصِرُوا عَلَى الثَّلَاثِ وَنُسِخَ بِهِ مَا زَادَ.
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى حُكْمِ الْعَدَدِ الْمَسْنُونِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوَقْتِ الْمَسْنُونِ فِيهِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَاقَ الْعِدَّةِ «فَقَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ إنَّمَا طَلَاقُ الْعِدَّةِ أَنْ تُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا وَقَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»؛ فَكَانَ طَلَاقُ السُّنَّةِ مَعْقُودًا بِوَصْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْعَدَدُ، وَالْآخَرُ: الْوَقْتُ.
فَأَمَّا الْعَدَدُ فَأَنْ لَا يَزِيدَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا الْوَقْتُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا. اهـ.